مجتمعخدمي

اختناقات بشرية بقالب كوميدي وسلوكيات خارجة عن السيطرة

اختناقات بشرية بقالب كوميدي وسلوكيات خارجة عن السيطرة

 

حشود جماهيرية تتوالى وتتكاثر دون أي سابق إنذار، تتسابق فيما بينها معلنة قدوم شي ما، والسابق منهم هو أول الفائزين بميزة الصعود أولاً، ولكن إلى أين؟!

الى حيث لا مكان سوى للوقوف إما بين الجموع الغفيرة التي نالت شرف الحصول على موطئ قدم لها ضمن هذا الحيز الصغير مقارنة بالأعداد الكبيرة التي تقصده يومياً، ليس حباً بخوض مغامرة الوقوف لساعات وعد الثواني والدقائق في كل مرة يتم الوقوف بها والتي لا تشبه الالتزام بإشارة المرور أو الانتباه لوصول أحدهم لمحطته الأخيرة، بل لتأمين أكبر عدد من الركاب المنتظرين الفرج المتمثل بخطوة أو خطوتين ضمن هذه المساحة التي لا تعد بكافية لأخذ التنفس أو الراحة أو حتى الجلوس أيضاً.

اختناقات بشرية بقالب كوميدي وسلوكيات خارجة عن السيطرة
اختناقات بشرية بقالب كوميدي وسلوكيات خارجة عن السيطرة

مشاهد يومية لم تعد بجديدة على أحد، بل روتيناً يصعب الخروج منه لانعدام البدائل المتاحة فيما لو فكرت بالاستغناء عنه، فالحسابات القائمة على توفير الوقت والانتظار من قبلك لن تجعلك تتريث في الوقوف لحظة واحدة في سكة الانتظار، فالنتيجة واحدة بل لعلها ستكون الأكثر جدوى فيما لو وقفت ضمن ممرات هذه الحافلات التي صممت خصيصاً لك ولكل من يرغب بالعثور على قارب النجاة في حال تعثرك من قبل وسائل النقل العادية.

إنما الغريب لدى قاصدي حافلات النقل الداخلي، وبالرغم من اعتيادهم لهذا الموقف يومياً، ستجد عدم تقبل منهم لأي تصرف فجائي وسط الازدحام القاتل بين صفوفه، لتجد غالبيتهم ضمن متاهات الفوضى التي نشأت نزولاً عند رغبتهم في خوض هذه التجربة، فيما للأحاديث المتبادلة بين هؤلاء الزبائن ممن اقترنوا بمفهوم الكرت الممنوح من الجابي قصة أخرى، لن يعرف تفاصيلها إلا من خاض هذا السجال بين مؤيد له ومعارض لفكرته بالأساس، لاقترانه بمصداقيتك أو اعتبارك خارج حدود الأمانة والاحترام لحقوق الناس، فما يمكنك فعله اليوم هو الوصول إلى بر النجاة دون الدخول بتفاصيل قد تقودك لجدال عقيم.

هنا فقط لن يمر يومك دون سماع مئات القصص عن الغلاء وصعوبة تأمين أقل مستلزمات العائلة الواحدة، مروراً بأحدث المستجدات العالمية والكثير من التحليلات للواقع الذي بات خارج المقبول، بدءاً بربطة الخبز ووصولاً للتدفئة وما سيحمله هذا الشتاء من مفاجآت للكثير من القابعين بين ثنايا التأمل من شباك الحافلة أو في حالة استماع للأحاديث عامة وربطها بمجريات حياتهم التي باتت تتشابه مع غيرهم في المعاناة والحسرة والتأفف من واقع الحال.

اختناقات بشرية بقالب كوميدي وسلوكيات خارجة عن السيطرة
اختناقات بشرية بقالب كوميدي وسلوكيات خارجة عن السيطرة

كما لا تخلو هذه الرحلة من بعض الفكاهة التي باتت غطاء للكثير من الألم المتربع على قلوب الجميع، لنجد بعضهم في حالة من الانسياق خلف أحاديث من يجاورهم والوصول لتفاصيل عائلة بأكملها، عدا عن تبادل أرقام بين أطراف عدة جمعت بينهم روابط الألفة والمحبة، لتكوين صداقات أو علاقات أسرية فيما بعد.

لهذه الرحلة الشاقة متعتها وتفاصيلها غير المنتهية، بل لها من الاستمرارية ما يفوق قدرة المواطن على تحملها، ليبقى لتقبل هذه الحالة يومياً والانسياق ضمن هذه القصص والروايات المتجددة بشخوص وأشكال مختلفة ومتعددة المستويات التي تساوت في المعاناة، لم يكن صدفة، بل ترجمة لكارثة حقيقية لحقت بالجميع دون استثناء من صعوبة الحياة المقترنة إما ببقائك في المنزل أو النزول عند رغبة القائمين على هذه الثقافة، التي كرست بشدة لتنمية الطمع والجشع لدى فئة كبيرة، لم يعد لها من العمل سوى تشجيع هذه الظاهرة والاستمتاع بما يجري حولهم كل يوم.

بارعة جمعة – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: المواطن السوري بين فكي كماشة.. استلام حوالته سواء عبر الوسطاء أو الجهات الرسمية تؤرقه!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى